يعمل مارسيل شينك، الأب لثلاثة أطفال صغار من البنات والأولاد، مرشدًا جبليًّا في بونتريسينا، القرية التي يزيد عدد سكانها عن ألفي نسمة في كانتون غرابوندن. يقول متأسفاً: “لقد تلقّينا للتوّ رفضاً جديداً لطلب مسكن للإيجار. إنه فعلاً أمر محبط. فنحن نبحث عن سكن جديد بإيجار معقول منذ أكثر من سنة، ولكن دون جدوى”.
يعيش مارسيل شينك مع عائلته في شقة صغيرة مكونة من غرفة وقاعة جلوس. ولكن، من المستحيل إيجاد شقة أكبر. ويؤكد الرجل الأربعيني، الذي يقيم في المنتجع منذ 18 عاماً، معاناة عدد كبير من السكان، ذكوراً وإناثاً، من نفس المشكلة. حيث يشرح: “يتّصل بنا أصدقاؤنا وصيدقاتنا لتأجير شقّتنا عندما نغادرها. إلا أننا بعيدون جداً عن الحصول على سكن آخر لنا”.
تعاني بونتريسينا، الواقعة في وادي إنغادين ـ العليا، الذي يبعد رمية حجر عن منتجع سانت موريتز الشهير، من أزمة سكنية لم يسبق لها مثيل. وتطال هذه الظاهرة جميع المناطق السياحية الجبلية في سويسرا، لا سيّما في كانتونات برن وفاليه وغرابوندن.
ووفقاً لمنتدى غرابوندن الاقتصادي، فإنّ هناك نقصًا لحوالي 2500 سكن في جبال غرابوندن وحدها. وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، تتم مشاركة مناشدات العائلات التي تبحث بيأس عن شقة أو منزل آلاف المرات، وفي معظم الأوقات دون جدوى.
أمّا بالنسبة للفئة العاملة في مجال العقارات، فمن الأفضل لها بكثير أن تُقدّم عقارات فاخرة، تُؤجَّر أو تُباع بأسعار باهظة لضيوف.ات قادمين.ات من الخارج، ممّا جعل العثور على سكن بأسعار معقولة بمثابة مهمة شاقة، بالنسبة لأهالي المنطقة المحليين.ات.
وغالباً ما تُضطر العائلات للبحث بعيداً عن المناطق المجاورة لها، بل حتى خارج المناطق السياحية، حيث تكون الأسعار منخفضة قليلاً. وفي أحسن الأحوال، تجد الأسر نفسها قابعة في ضواحي القرية، في مجمعات للإيجار. وتنطفئ الحياة المحلية التي تضفي السحر على المنتجع شيئاً فشيئاً.
ويُعزى هذا الطلب على المساكن الثانوية ( أي امتلاك سكن ثانٍ لقضاء بعض الوقت خلال العام) إلى جائحة كوفيد. ففي بونتريسينا، تمثل هذه المساكن حالياً 58 % من مجمل المنازل.
وفي السياق نفسه، تؤكد نورا ساراتز كازان، رئيسة بلدية بونتريسينا من حزب الخضر الليبراليين.ات (اليمين الوسط)، قدومَ ” أشخاص، في منتصف العمر، من جميع أنحاء سويسرا للعيش هنا، بهدف الاستفادة من إمكانية العمل من المنزل أو لقضاء فترة التقاعد المبكر. وقد أسهم هذا التدفق في تسريع رحيل العائلات التي لديها أطفال صغار، المُبعَدَة من قبل الوافدين.ات الجدد والجديدات الذين واللواتي لديهم.ن قوة شرائية أعلى”.
ونتيجة لذلك، يزداد عدد “منازل الأشباح”. إذ يبدو أنَّ المالكين والمالكات الجدد لا يميلون ولا يملن إلى تأجير ممتلكاتهم.ن خلال فترة غيابهم.ن.
الآثار الضارّة لمبادرة فيبر
ينبع هذا الوضع جزئيا من الآثار الضارة للقوانين التي وُضعَت، في الأصل، لحماية السكان المحليين.ات وظاهرة المضاربات العقارية. في عام 2012، وافق الشعب السويسري على مبادرة فيبررابط خارجي، التي تحدّ من حصة المساكن الثانوية بنسبة أقصاها 20% من إجمالي الأبنية السكنية التابعة للبلدية.
إلا أنَّ هناك ثغرة في تطبيق هذا القانون. حيث تتعلّق النسبة المحدودة بـ 20% بمساحة الأرض الصالحة للبناء السكني. ولكن لا شيء يمنع من تحويل المباني الموجودة إلى مساكن ثانوية. ولتلبية الطلب المتزايد باستمرار، يتزايد عدد المساكن العادية التي يتم تحويلها إلى عقارات فاخرة يتعذر على أهالي القرية الحصول عليها.
وفي الوقت ذاته، أدى تغيير تشريعي آخر إلى تعقيد الأمور. فقد كانت مراجعة القانون التي تعود إلى عام 2021 حول التخطيط العمراني (LAT) تهدف إلى تكثيف المناطق المبنية، لتجنب التعدي على المناظر الطبيعية. ” فلهذين القانونين عواقب وخيمة على قُرانا”.
في الواقع، “ليس هناك أي مخطط لحماية المساكن الرئيسية لأهالي القرية”، كما هو موضّح على موقع جمعية آنا فلوران، التي تشجّع وتدعم بلديات إنغادين ـ السفلى في مكافحة ضغوط سوق عقارات المساكن الثانوية.